فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال في موضع آخر: وجاء إليه ناس من الفريسيين وقالوا له: اخرج فاذهب من هاهنا فإن ثيرودس يريد ليقتلك، فقال لهم: امضوا وقولوا لهذا الثعلب: إني هوذا أخرج الشياطين وأتم الشفاء اليوم وغدًا وفي اليوم الثالث أكمل، وينبغي أن أقيم اليوم وغدًا، وفي اليوم الآتي أذهب، لأنه ليس يهلك نبي خارجًا عن يروشليم، أيا يروشليم! أيا يروشليم! يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها! كم من مرة أردت أن أجمع بنيك مثل الدجاجة التي تجمع فراخها تحت جناحيها فلم تريدوا، هوذا أترك بيتكم خرابًا، فسمع هيرودس رئيس الربع بجميع ما كان فتحير، لأن كثيرًا كانوا يقولون: إن يوحنا قام من الأموات، وآخرون يقولون: إن إليا ظهر، وآخرون يقولون: نبي من الأولين قام، فقال هيرودس: أنا قطعت رأس يوحنا فمن هو الذي نسمع عنه هذا، وطلب أن يبصره؛ وفي إنجيل متى: وفي ذلك الزمان سمع هيرودس رئيس الربع خبر يسوع فقال لغلمانه: هذا هو يوحنا المعمدان، وهو قام من الأموات من أجل هذه القوات التي يعمل بها.
قوله: المعمد، من أعمده- إذا غسله في ماء المعمودية، قوله: تبررت، أي صارت برية بالنسبة إليهم، قوله: يعيّر المدن، أي يذكر ما أوجب لها العار، قوله: القوات جمع قوة وهي المعجزات هنا، قول: الذي هويت، يعني أحببت حبًا شديدًا، ولفظ الهوى الظاهر أنه يفهم نقصًا فلا يحل في شرعنا إطلاقه على الله تعالى، قوله: مطفطف، أي مملوء إلى رأسه، لا يزال كذلك، قوله: شرق- وزن: فرح، أي ضعف، من: شرق بريقه، وشرقت الشمس- إذا ضعف ضوءها، قوله: أتون وهو وزن تنور وقد يخفف: أخدود الجيار والجصاص، قوله: بسيطة، أي على الفطرة الأولى، قوله: يروشليم- بتحتانية ومهملة وشين معجمة: بيت المقدس، قوله: ملكوت أبيهم، تقدم ما فيه غير مرة. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الحواريين} أي ألهمتهم وقذفت في قلوبهم الوحي. والوحي على أقسام، وحي بمعنى إرسال جبرئيل إلى الرسول، ووحي بمعنى الإلهام كالإيحاء إلى أم موسى والنحل ووحي بمعنى الأحلام في حال اليقظة في المنام.
قال أبو عبيدة: أوحى لها: أي إليها، وقال الشاعر:
ومن لها القرار فاستقرت ** وشدها بالراسيات الثبت

يعني أمرت (وإلى) صلة يقال: أوحى ووحى. قال الله: {بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا} [الزلزلة: 5].
قال العجاج: أوحى لها القرار فاستقرّت.
أي أمرها بالقرار فقرت. والحواريون خواص أصحاب عيسى.
قال الحسن: كانوا قصارين.
وقال مجاهد: كانوا صيادين.
وقال السدي: كانوا ملاحين.
وقال قتادة: الحواريون الوزراء.
وقال عكرمة: هم الأصفياء. وكانوا إثني عشر رجلًا، بطرس ويعقوب ويحنس واندرواسى وخيلبس وأبرثلما ومتى، وتوماس، ويعقوب بن حلقيا، وتداوسيس، وفتاتيا، وتودوس، {أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي} عيسى {قالوا} حين لقيتهم ورفقتهم {آمَنَّا واشهد بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ}. اهـ.

.قال السمرقندي:

{وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الحواريين} يعني: ألهمتهم وألقيت في قلوبهم.
ويقال: أوحيت إلى عيسى ليبلغ الحواريين: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى} يعني: صدقوا بتوحيدي {وَبِرَسُولِى} فلما أبلغهم الرسالة {قَالُواْ ءامَنَّا} يقول: صدقنا بهما {واشهد} يا عيسى {بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} أي: مقرون.
ويقال: هذا معطوف على أول الكلام.
إذ قال الله يا عيسى.
وقال له أيضًا: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الحواريين} يعني: ألهمتهم.
وقال مقاتل: يقوم عيسى خطيبًا يوم القيامة بهذه الآيات، ويقوم إبليس خطيبًا لأهل النار بقوله: {وَقَالَ الشيطان لَمَّا قُضِىَ الأمر إِنَّ الله وَعَدَكُمْ وَعْدَ الحق وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مِّن سلطان إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِى فَلاَ تَلُومُونِى ولوموا أَنفُسَكُمْ مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِىَّ إِنِّى كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظالمين لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [إبراهيم: 22]. اهـ.

.قال الفخر:

قوله تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الحواريين أَنْ ءامِنُواْ بِى وَبِرَسُولِى} وقد تقدم تفسير الوَحْي.
فمن قال إنهم كانوا أنبياء قال ذلك الوحي هو الوحي الذي يوحى إلى الأنبياء.
ومن قال إنهم ما كانوا أنبياء، قال: المراد بذلك الوحي الإلهام والإلقاء في القلب كما في قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إلى أُمّ موسى أَنْ أَرْضِعِيهِ} [القصص: 7] وقوله: {وأوحى رَبُّكَ إلى النحل} [النحل: 68] وإنما ذكر هذا في معرض تعديد النعم لأن صيرورة الإنسان مقبول القول عند الناس محبوبًا في قلوبهم من أعظم نعم الله على الإنسان.
وذكر تعالى أنه لما ألقى ذلك الوحي في قلوبهم، آمنوا وأسلموا وإنما قدم ذكر الإيمان على الإسلام، لأن الإيمان صفة القلب والإسلام عبارة عن الانقياد والخضوع في الظاهر، يعني آمنوا بقلوبهم وانقادوا بظواهرهم.
فإن قيل: إنه تعالى قال في أول الآية {اذكر نِعْمَتِى عَلَيْكَ وعلى والدتك} [المائدة: 110] ثم إن جميع ما ذكره تعالى من النعم مختص بعيسى عليه السلام، وليس لأمه بشيء منها تعلق.
قلنا: كل ما حصل للولد من النعم الجليلة والدرجات العالية فهو حاصل على سبيل الضمن والتبع للأم.
ولذلك قال تعالى: {وجعلنا ابن مريم وأمه آية} [المؤمنون: 50] فجعلهما معا آية واحدة لشدة اتصال كل واحد منهما بالآخر.
وروي أنه تعالى لما قال لعيس {اذكر نعمتي عليك} [المائدة: 110] كان يلبس الشعر ويأكل الشجر، ولا يدخر شيئًا لغد ويقول مع كل يوم رزقه، ومن لم يكن له بيت فيخرب، ولا ولد فيموت، أينما أمسى بات. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّيِنَ أَنْ ءَامِنُوا بِي...} في وحيه إلى الحواريين وجهان:
أحدهما: معناه أَلْهَمْتُهُم أن يؤمنوا بي، ويصدقوا أنك رسولي، كما قال تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل: 68].
والثاني: يعني ألقيت إليهم بالآيات التي أريتهم أن يؤمنوا بي وبك. وفي التذكير بهذه النعمة قولان:
أحدهما: أنها نعمة على الحواريين أن آمنوا، فذكر الله تعالى به عيسى لأنهم أنصاره.
الثاني: أنها نعمة على عيسى، لأنه جعل له أنصارًا من الحواريين قد آمنوا به.
والحواريون: هم خواص عيسى عليه السلام الذين استخلفهم من جملة الناس.
{قَالُوا ءَامَنَّا} يعني بالله تعالى ربك.
{وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} يحتمل وجهين: أحدهما: أنهم أشهدوا عيسى عليه السلام على إسلامهم بالله تعالى وبه.
والثاني: أنهم أشهدوا الله تعالى بذلك على أنفسهم. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الحواريين أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي} قد تقدّم القول في معاني هذه الآية.
والوحي في كلام العرب معناه الإلهام ويكون على أقسام: وحي بمعنى إرسال جبريل إلى الرسل عليهم السلام.
ووحي بمعنى الإلهام كما في هذه الآية؛ أي ألهمتهم وقذفت في قلوبهم؛ ومنه قوله تعالى: {وأوحى رَبُّكَ إلى النحل} [النحل: 68] {وَأَوْحَيْنَا إلى أُمِّ موسى} [القصص: 7] ووحى بمعنى الإعلام في اليقظة والمنام.
قال أبو عبيدة: أوحيت بمعنى أمرت، «وإلى» صلة؛ يقال: وحى وأوحى بمعنى؛ قال الله تعالى: {بِأَنَّ رَبَّكَ أوحى لَهَا} [الزلزلة: 5] وقال العجاج:
وَحَى لها القرار فاستقرّت

أي أمرها بالقرار فاستقرّت.
وقيل: «أوْحَيْتُ» هنا بمعنى أمرتهم.
وقيل: بينت لهم.
{واشهد بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} على الأصل؛ ومن العرب من يحذف إحدى النونين؛ أي واشهد يا رب.
وقيل: يا عيسى بأننا مسلمون لله. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الحواريين} أي أمرتهم في الإنجيل على لسانك أو أمرتهم على ألسنة رسلي.
وجاء استعمال الوحي بمعنى الأمر في كلام العرب كما قال الزجاج وأنشد:
الحمد لله الذي استقلت باذنه السماء ** واطمأنت أوحى لها القرار فاستقرت

أي أمرها أن تقر فامتثلت، وقيل: المراد بالوحي إليهم إلهامه تعالى إياهم كما في قوله تعالى: {وأوحى رَبُّكَ إلى النحل} [النحل: 68] {وَأَوْحَيْنَا إلى أُمّ موسى} [القصص: 7] وروي ذلك عن السدي وقتادة وإنما لم يترك الوحي على ظاهره لأنه مخصوص بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام والحواريون ليسوا كذلك، وقد تقدم المراد بالحواريين [في سورة رل عمران: 25].
وأن قوله تعالى: {أَنْ ءامِنُواْ بِى وَبِرَسُولِى} مفسرة لما في الإيحاء من معنى القول، وقيل: مصدرية أي بأن ءامنوا إلخ.
وتقدم الكلام في دخولها على الأمر، والتعرض لعنوان الرسالة للتنبيه على كيفية الإيمان به عليه الصلاة والسلام والرمز إلى عدم إخراجه عليه الصلاة والسلام عن حده حطًا ورفعًا {قَالُواْ ءامَنَّا} طبق ما أمرنا به {واشهد بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} مخلصون في إيماننا أو منقادون لما أمرنا به. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ} يجوز أن يكون عطفًا على جملة {إذْ أيَّدتك بروح القدس} [المائدة: 110]، فيكون من جملة ما يقوله الله لعيسى يوم يجمع الرسل.
فإنّ إيمان الحواريّين نعمة على عيسى إذ لو لم يؤمنوا به لما وجد من يتّبع دينه فلا يحصل له الثواب المتجدّد بتجدد اهتداء الأجيال بدينه إلى أن جاء نسخه بالإسلام.
والمراد بالوحي إلى الحواريّين إلهامهم عند سماع دعوة عيسى للمبادرة بتصديقه، فليس المراد بالوحي الذي به دعاهم عيسى.
ويجوز أن يكون الوحيَ الذي أوحي به إلى عيسى ليدعو بني إسرائيل إلى دينه.
وخُصّ الحواريّون به هنا تنويهًا بهم حتّى كأنّ الوحي بالدعوة لم يكن إلاّ لأجلهم، لأنّ ذلك حصل لجميع بني إسرائيل فكفر أكثرهم على نحو قوله تعالى: {كما قال عيسى ابنُ مريم للحواريّين من أنصاري إلى الله قالَ الحواريّون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة} [الصف: 14]؛ فكان الحواريّون سابقين إلى الإيمان لم يتردّدوا في صدق عيسى.
و{أنْ} تفسيرية للوحي الذي ألقاه الله في قلوب الحواريّين.
وفَصْل جملة {قالوا آمنَّا} لأنّها جوابُ ما فيه معنى القول، وهو «أوحينا»، على طريقة الفصل في المحاورة كما تقدّم في سورة البقرة، وهو قول نفسي حصل حين ألقى الله في قلوبهم تصديق عيسى فكأنّه خاطبهم فأجابوه.
والخطاب في قولهم: {واشهَدْ} لله تعالى وإنّما قالوا ذلك بكلام نفسي من لغتهم، فحكى الله معناه بما يؤدّيه قوله: {واشهد بأنّنا مسلمون}.
وسمّى إيمانهم إسلامًا لأنّه كان تصديقًا راسخًا قد ارتفعوا به عن مرتبة إيمان عامّة من آمن بالمسيح غيرهم، فكانوا مماثلين لإيمان عيسى، وهو إيمان الأنبياء والصدّيقيين، وقد قدّمت بيانه في تفسير قوله تعالى: {ولكن كان حنفيًا مسلمًا} في سورة آل عمران (67)، وفي تفسير قوله: {فلا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون} في سورة البقرة (132) فارجع إليه. اهـ.